الحجاب بين الأسلمة والعلمنة
(إن قيدتم الأجساد محال أن تقيدوا العقول والقلوب)
ما الفرق بين فرنسا عندما تصدر قرار بمنع الحجاب في الجامعات الفرنسية وبين جامعة الأقصى حين تمنع غير الحجاب داخل حرم الجامعة.
كانت الكثير من الإجابات التي وصلتني على تساؤلي مغلفة بالعاطفة والتحيز الغير مقنع للإسلام لأنه ديننا، مع استقصاء المنطق والحياد الإنساني من القضية، في الوقت الذي آذاني من الأعماق حين قرأت خبر نية إحدى الجامعات في غزة العزة إجبار الفتيات على إرتداء الحجاب مع الفصل الثاني في الجامعة، وكم كانت آراء المحيط عاطفية وواهية.
فمن يستطيع أن يُحَجِّب أعماقي إن أجبرني بالقوة أن أُحَجِّبَ جسدي، فبأي حق تسلب إنسان حريته بحجة تطبيق شرع الله، آتيني إن استطعت بدليل شرعي أو حادثة عن رسولنا الأعظم بطهره ونقاءه قام فيها بتطبيق فرض بالقوة والإجبار على المسلمين وغير المسلمين.
فما الفرق بين الجامعة المسلمة ودولة فرنسا!؟ لا أرى أي فرق لا من قريب ولا من بعيد إلا في مرجعيتهم! فكلاهم تطاول على الإنسانية وعلى الفطرة البشرية واستخدم قوته وسلطته ونفوذه ليحقق مآربه وإن اختلفت في صميمها، ففرنسا تلك الدولة العلمانية التي اختارت العلمانية في أبشع صورها ولتحافظ على دولتها وقوتها، تجرأت على الإنسانية وسلبت الإنسان حريته حين منعت الصليب قبل الحجاب في مؤسساتها الحكومية، وأجبرتهم على عدم ممارسة قناعاتهم وحرياتهم من أجل دولة فرنسا العلمانية، أما الجامعة المسلمة إختارت أن تقيم الدولة الإسلامية بتطبيق مظاهر الإسلام من الخارج في حين أنها تهدم ما في الداخل، فأرادوا أن يجبروا الفتيات على أن يتحجبن أو أن تخسر الفتاة ما قطعته من شوط في الجامعة.
فإن استطاعت الجامعة المسلمة أن تحجيب الأجساد فهل تستطيع فعلاً أن تحجب الأعماق أو العقول؟ وهل هدفهم تطبيق دين نفاق ؟ فلو حدث وحجبوا كل أنثى دون أن تكون قناعة من داخلها فأي قوة وأي متانة حققوها في دين الله، فلا أرى سوى إسلام مقنع بالمظاهر والشكليات دون الإيمان العميق من الداخل والذي هو أساس الإسلام !
ولو وقفنا قليلاً: " الإيمان ما وَقر في القلب وصدقه العمل"،إ ن مراتب
الإيمان أن يكون منبعه ومنشأه من القلب أولاً ومن ثم أن يصدقه العمل فهنا
رأس الحكمة والصدق، فكيف يجبرون الناس على العمل والتطبيق قبل الإيمان من
الأعماق؟ فالإيمان في القلب يزيد وينقص، والله يهدي من يشاء من عباده فكيف
يصبح فرض الحجاب وغيره سلطة تطبق على الناس قهراً واستعباداً وتجبراً؟!
وأنت، كيف تلوم دولة بحجة اختلاف دينها ومرجعيتها على سلبها حريتك فيما تبرر ذلك لنفسك لأنك انت "ابن الإسلام"؟
كم من الفرائض يتركها المسلمين رغم الإيمان الذي يعمر قلوبهم سواء في الخفاء أو في الجهر ويسألون الله دائماً الهداية والصلاح، ولم أسمع يوماً بأن الرسول بطهره كانت له وظيفة ربانية أن يجبر مسلم على تطبيق فريضة، ولم نسمع بعقوبة دنيوية على ترك الفرائض بل كانت دوماً ما بين العبد وربه يوم الحساب والعقاب، حتى العقوبات الدنيوية كانت في الكبائر ومع أن هناك الكثير من الحدود تم ابطالها بحسب الزمان والحادثة، وكان الرسول الأكرم وصحابته ينشرون دين الله ويبينون للناس ويقربون لهم كل ما تعلق بالدين من أجل أن تنير قلوبهم ويزيد ايمانهم في قلوبهم دون إجبار، فمن أين يبتدعون اليوم ويعطون أنفسهم الوصاية لتطبيق الفرائض جبراً على الناس مع سلب الإختيار والحرية من بين أيدي الناس.
فرق شاسع بين من ينشر الدين بالحسنى ويحبب الناس فيه فيزيد ايمانهم من الداخل فيتجلى في أشكالهم ومعاملاتهم فيبني كيان قوي، وبين من ينشر الدين بالقوة فترى القوم ملتزمين متدينيين من الخارج ضعفاً بينما تكفر قلوبهم حين تسلب حريتهم وتهان إنسانيتهم.
أذكر حين تحجبت كنت لم أبلغ بعد، شعرت بحاجتي للحجاب وكأن نور من الأعماق ناداني وقربني له، لكن أرفض بكل إنسانيتي وبجمال وعظمة ديني الذي نور قلبي أن يجبرني إنسان على أن أقوم بذلك، وإن كنت في أعماقي أتمنى أن يهدي الله كل مسلمة وأن يثبتنا على الحجاب السليم، ولكن حبي للإسلام لا يعني تقبلي لسلب حرية الإنسان!
" تلك الآراء لا تتجاوز حرية تفكيري واعتقادي وقناعتي في هذه القضية"
مع قناعتي العميقة بالحجاب
وإعتزازي وحبي العميق لغزة الصمود
وحرصي الشديد على حرية الإنسان
إسْراء عُثمانْ ~
25-01-2013