نعم انتمي لهذا الجيل
كثيراً ما اتسائل بألم لماذا ولدت في هذه الفترة من الزمن وفي هذا البقعة من العالم، ولماذا كنت من مواليد جيل "الثمانينيات"، لأني اجزم بأننا أكثر الأجيال حملاً لآلام وويلات شعوبنا والإنسانية جمعاء، فأجدادنا وآبائنا لم يشاهدوا في طفولتهم وشبابهم مجازر ما حدث أيام الانتداب البريطاني للوطن العربي بشاشة LCD، ولم يغمضوا عيونهم وهم يروا على هواتفهم الذكية صور مجازر صبرا وشتيلا المدرجة بالدماء، ولم يصحوا متجهين مباشرة ليتابعوا آخر النشرات العاجلة التي تتنقل من قتل لتفجير لتنكيل لآخر صرعات البشاعة البشرية! أجدادنا وآبائنا لم يعاصروا أنظمة استبدادية كتلك التي عاشرناها ولم يعهدوا نظاماً يسمي نفسه دولة الخلافة الإسلامية ويختصر اسمه بمصطلح قبيح يدعى "داعش"! مؤكد لم تكن أنظمة العالم في وقتهم بهذه الدرجة من الانحطاط! فهم لم يباغتهم يوماً خبرا عاجلا يحمل بين طياته نبأ استشهاد قريب أو تدمير وقصف وهدم بيت صديق هنا أو هناك! نحن ذات الجيل الذي يبغض الأنظمة الغربية ويتألم على وقع نبأ تفجير في فرنسا او أمريكا او غيرها.
حينما اتأمل الوراء قليلاً، اجد أننا الجيل الذي باغتتنا التكنولوجيا فجأة، وكأنها كانت تتربص مراهقتنا لتغزوها بهذه الاختراعات الجديدة، فهي لم تأتينا بعمر صغير لنتعلمها على مهل ولم يكن لآبائنا معرفة مسبقة لنقلدهم ونكتسب اساسياتها منهم، فنحن الذين وَظّفنا كل طاقتنا لنستوعب هذه التكنولوجيا وأمضينا الكثير من الوقت ونحن نحاول فِهم هذه الطفرات الجديدة، فنحن ذاك الجيل الذي كان علينا أن نستخدم المعجم الوسيط وقاموس بترا واوكسفورد للغة الإنجليزية وسرعان ما وجدنا انفسنا امام شاشة الكمبيوتر نضغط زراً زراً لنكتب الكلمة على معجم الوافي الالكتروني او غيره، نعم نحن الجيل الذي ادمنا الرسوم المتحركة التي كونت ملامح شخصياتنا وفجأة وجدنا انفسنا امام كم من الالعاب الالكترونية وفيض من أفلام هوليوود وغيرها والتي لم نشاهدها يوماً لملئ وقت فراغنا فحسب بل تعاملنا معها كانجاز بشري يحمل فكرة وكلوحة فنان ننقدها ونلوم على المخرج انتقائه لأفكاره وممثليه.
لم يكن أمام اجدادنا الا الكتب ليأخذوا منها العلم، ولم تكن الا كتب قليلة ومحدودة، وشعراء يحفظون أسمائهم عن ظهر قلب، لم يكن هناك في وقتهم تضخم في سوق الشعراء والرسامين والصحفيين والمشايخ والقنوات الفضائية، لم يضطروا في وقتهم ليأخدوا العلم من الكتب والانترنت والمحاضرين والأدباء وقنوات اليوتيوب والقنوات التلفازية والملتقيات والجلسات والندوات حتى أصبح لديهم تشوش في الخارطة المعرفية.
اننا جيل عشنا صراعات وضغوطات وتشتتنا وتهنا كثيراً وما زلنا نبحث عن انفسنا بين كل هذه المعطيات المرهقة، اننا في ذات الوقت نفكر بمستقبلنا وشريك حياتنا وبيوتنا ونعمل بجد من أجل بناء حياتنا الشخصية بناء سليم لا يعتمد على التقليد وتكرار النماذج السابقة، وفي ذات الوقت نسعى لنيل درجات علمية عالية من اجل التطور وخدمة البشرية، وعن كيفية أن نكون اشخاص فاعلين ايجابين مؤثرين في مجتمعنا، نبحث كيف يكون لنا صوت مؤثر وايجابي بيننا، ونحمل هم أمتنا ودولتنا وديننا وندافع عن دور تمكين المرأة في المجتمع ونحاول أن نثبت أهمية دورها، ونشغل طاقتنا وتفكيرنا بكيف نربي أبنائنا وكيف نكون لهم آباءً يجنبوهم كل تلك الويلات التي عشناها، وكيف نربيهم تربية علمية، لكي نخرج من قالب التربية "عالبركة"، وبعد هذا كله وفي آخر الليل ننام ودمعة نكبتها داخلنا لاننا نشعر بأننا مقصرين وبأن علينا مسؤولية أكبر وهناك واجب أكبر ينتظرنا!
انني اؤمن ايمان عميق بهذا الجيل فمنه سيأتي التغير الكبير، فهو الجيل الذي بدأت على يديه تغيير معطيات واساسات وعادات وقناعات أجيال سبقته، فهو الذي جعل بوابة سمسم حقيقة ففتح العالم على نافذة التغيير والإرادة والطموح والإصرار والأمل والايمان بالحياة والانسان، نعم نحن ذاك الجيل الذي قدر الله له أن يُعصر كالبرتقالة ليخرج منه أفضل ما فيه.
فيا الله اصنعنا على عينك واستخدمنا ولا تستبدلنا ...
هناك تعليقان (2):
جميل قرارك بالعودة للتدوين!..في وسائل التواصل الاجتماعي لا يكاد أحد يقرأ صفحة كاملة ناهيك عن كتابتها..
وبعد،
فحق لك أن تفخري بجيلك وحق لجيلك أن يفخر بك..
ونحن لنا الفخر انك منا وفينا :)
شكراً احمد ،، شكراً كثيرا
على أمل الاستمرار في التدوين
إرسال تعليق