رسائل إسرائية ( 2)
ما بين الشآم وبيت المقدس مسافة تاريخ الأندلس
لكي لا نكون أندلساً أخرى..
تصميم الأخ:Bandar Raffah |
إن من أبشع ما كتبت صفحات التاريخ كان سقوط الأندلس، ففي اليوم الثاني من كل عام يحتفل الإسبان بسقوط أقوى المدن الإسلامية في الأندلس العريق وإنتصارهم على المسلمين وطردهم وقتلهم في معركة غرناطة بعد حكم طال ما يقارب الـ 800 عام، بنت فيه الأمة الإسلامية أقوى العلوم والحضارات، وصدرت للأمم الأخرى من العلم والحضارة والثقافة ما قامت عليه الأمم، ففي الوقت الذي كانت تعيش فيه أوروبا في العصور المظلمة والتخلف والرجعية، صدر المسلمون من هناك من أرض الأندلس أقوى الحضارات والعلوم وسطع شعاع النور من أرض الإسلام بدينهم القوي وعلمهم المتين.
الكثير يتساءلون لماذا نعود للماضي ولماذا نبكي مجد ضاع ونقف على أطلال ما عدنا نملكها؟ولماذا نضيع الوقت على ما فات !
قرأت مرة معلومة بأن ثلث القرآن الكريم هو فعلياً قصص، حيث ركز القرآن على القصص ليس للسرد فقط بل للتدبر وأخذ العبر وقراءة الدروس بين ثناياها، فالقرآن ترك لنا عبرة كبيرة من التركيز على القصص وعلى ذكر أنباء الأمم السابقة لكنا حقاً لم نعتبر ولم نأخذ الحكمة منها.
فحين نركز على الأندلس ونعيد إحيائها في قلوبنا وفكرنا وصفحات حياتنا نحن لا ندعو للبكاء على لبن مسكوب كما ظن الكثيرين لكنها دعوة لأخذ العبرة من الجرائم التي اقترفها المسلمون بحق أنفسهم حين تخلوا عن العلم والدين، فإن تأملنا ماضينا وجدنا الإسلام كان في عزه وأوجه، عندما تمسك المسلمون في دينهم وعندما كان العلم عنوانهم، وضاعوا عندما تركوا الدين والعلم وتمسكوا بملذات الدنيا والفرقة والإقتتال والتسابق للظفر بالملك والغنائم، ونسوا كتاب الله وآيته الحكيمة" ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم" صدق الله العظيم. نحن يجب علينا أن نقرأ التاريخ لأن فيه العبر، أمة لا تقرأ تاريخها لا يمكن أن تعرف حاضرها ولا أن تخطط لمستقبلها، ضاعت الشآم وفلسطين والعراق وكل شبر من أمتنا ووطنا الكبير عندما ضاع ماضينا دون أن نحفظه ودون أن ننبش في صفحاته لنتعلم العبر!
جولدا مائير هذه الصهيونية قالت يوماً " يموت الآباء وينسى الأبناء"، فهذا ظنهم بنا، فبعضنا فعل وآخرين كثر لم يرضوا أن يتخلوا عن تاريخهم، بل كان بالنسبة لهم أساس ومرجع نرسم من خلاله خارطة لمستقبلنا.
أمثلة تربط ماضينا بمستقبلنا:
انقسمت مدن الأندلس بعد سنين طويلة من قوتها وتماسكها وتوحدها عندما انشغل ملوكها بملذات الحياة واقتتلوا من أجل الملك والتنازل على أفضل المدن وأعرقها، حيث بدأ التنازع بين العرب أنفسهم فكادوا لبعضهم المكائد وتنازعوا وتعادوا حتى امتد التنازل وأصبح أيضاً ما بين العرب وغيرهم مثل البربر والأقليات حديثة العهد بالإسلام، حتى تقسمت الأندلس وأصبحت "22" دويلة، واليوم قسمنا المستعمر والمحتل وأصبحنا " 22" دولة وزرع فينا من الفرقة والحدود ما تجعل حلم التوحد بعيداً.
هذه الصورة هي راية الجيش الاسلامي في الاندلس يوم معركة «العقاب» والتي انهزم فيها المسلمون يوم السادس عشر من شهر يوليو عام 1212م وغنم الصليبيون تلك الراية ومازالوا يحتفظون بها الى يومنا هذا... |
ضاعت إشبيلية في العام 643هــ بأيدي المسلمين في ولاية غرناطة بعد المعاهدة التي اضطر ملكها إبن الأحمر على توقيعها مع ملك قشتالة فرناندوا الثالث والتي كان أحد بنودها أن تقوم غرناطة بمساندة أمير قشتالة ومساعدته في أي حرب يخوضها حتى لو كانت مع غيرهم من المسلمين، وبعد توقيع المعاهدة مباشرة شن ملك قشتالة حرباً على إشبيلية أقوى وأعرق المدن الإسلامية في الأندلس وثاني آخر المدن بقاءً بين يدي المسلمين، وسقطت إشيبيلة بأيدي المسلمين الذين اضطروا وفقاً لهذه المعاهدة من شن حرب والتقدم مع جنود قشتالة النصارى تحت قيادة فرناندوا الثالث وشردوا أهلها وقتلوا ما قتلوا منها وعاثوا فيها من الفساد والذل بحق أهلها، ولحق ذلك سقوط غرناطة آخر الولايات الإسلامية في الأندلس وبكى الرجال كالنساء على ملك لم يحافظوا عليه كالرجال !
واليوم كم من دولة عربية وكم من رئيس عربي وقع من المعاهدات والإتفاقيات ما تضمن حق المستعمر وتضيع حقنا نحن العرب، كم من بلد عربي لا يتمكن من استخدام سلاحه النفطي من أجل إخوانه العرب في دولة أخرى بسبب الاتفاقيات والمعاهدات التي وقعوها مع الدول الكبرى، فهذا التاريخ يعيد نفسه ولكن هل من يعتبر!
اللوحة الشهيرة الموجودة بأسبانيا تصور تسليم مفاتيح غرناطة للملكين الكاثوليكين إيزابيلا وفريناندو بواسطة أبو عبد الله الصغير |
ضاعت الأندلس وضاع مجد العرب والإسلام وما زلنا حتى يومنا هذا لم نأخذ العبر ولم نتعلم من خسارتنا ومن هزائمنا بل ما زلنا نصر على أن نعيد نكبات التاريخ بأخطاء أكبر وهفوات أبشع، ما زلنا نصر على أن التاريخ لن يعيد لنا مجد بل هو بكاء على ماضٍ أليم،متى نعرف أن أمة لا تقرأ تاريخها يسهل استعبادها، فلقد ضاعت أمة لا تعرف الخبر
فما بين الشآم والقدس مسافة تاريخ الأندلس، وما بين نصرنا وحريتنا ونهضتنا مسافة تاريخ نأخذ منه العبر والدروس لنمر من خلاله للمستقبل، فقضايا أمتنا واحدة، محال أن نفصلها محال أن نجزئها، فهمنا واحد ومصائبنا واحدة ونصرنا واحد وحريتنا واحدة.
انتظروا تدويناتي عن كل من:
1- إشبيلية
2- قرطبة
3- الزهراء
4- الحمراء
5- غرناطة
هناك 3 تعليقات:
حتى لا نكون أندلساً أخرى !
أصبت كبد الحقيقة ..
وأبحرت في مأساتنا التي ما زلنا نغرق فيها!
تقبلي إحترامي لكل ما نثرت
أخوك محمد العطشان
"فما بين الشآم والقدس مسافة تاريخ الأندلس، وما بين نصرنا وحريتنا ونهضتنا مسافة تاريخ نأخذ منه العبر والدروس لنمر من خلاله للمستقبل، فقضايا أمتنا واحدة، محال أن نفصلها محال أن نجزئها، فهمنا واحد ومصائبنا واحدة ونصرنا واحد وحريتنا واحدة."
هذه هي العروبة التي زرعوها فينا وهذه هي الأمة الواحدة والمصير الواحد ..
كم نتمنى أن يرتقي جيلنا لهذه المرتبة من الانتماء والتطلع الى قضايانا ..
أشكرك إسراء عثمان على هذه الروح وهذا التميز في الطرح والأسلوب.
رائعة :)
استمري صديقتي فأنت تحملين من جمال الروح والأسلوب والفكر العميق ما يعينك لتصعدي سلم الإبداع والتفوق ..
إرسال تعليق